شوق الى الهرب

الأربعاء، 24 فبراير 2021

الحكواتي العبقري


 

يقال بأن الحكايات المكتوبة تعطي الإنسان أكثر من حياة ، خاصة واننا مدمنون على سماع القصص والحكايات، حتى عندما ننام يظل العقل متيقظا يسرد ويحكي لنفسه القصص من خلال الأحلام...بطل قصتنا رسم بقلمه حكايات مليئة بالأحلام وجسد بعضها بصوت احد ابطال سيناريوهاته قائلا :هحل---------م.

هو كاتب عربي  متهمٌ تارة  بتشويه صورة الإسلام ، وتارة بأنه بوق للنظام ، وتارة أخرى بأنه ذراع اليسار المُعارض لأي نظام ...تُرى أيهم أصح اتهام  يمكن أن ينطبق على هذا  الحكواتي المصري المثير للجدل !!؟؟؟

 وحيد حامد !؟ .  

يُقال إن إرضاء الناس غاية لا تُدرك، حتى وإن ارضيت الجميع لبعض الوقت.. 

مشاهد وحيد حامد مليئة بتفاصيل صغيرة تغزل اللوحة الكبيرة ، فهي تحكي عن احلام الفقراء ، وعن كوابيس الاغنياء.

فمن المفارقات المُلفتة للنظر في كتابات حامد أنه متهم من قبل الاسلاميين بأنه ذراع للدولة التي تواجه خططهم الشيطانية كما  رسم في فيلم ( دم الغزال) وكشف تجارتهم بالدين في مسلسل (الجماعة) بكل أجزاءه.

والطريف أن الدوله اتهمته بأنه صاحب أطروحات يسارية يبرز فشل الدولة في الإدارة في العديد من أفلامه ك فيلم (طيور الظلام) و(معالي الوزير).

 أما اليسار فاتهمه بأنه ذراع لرأس المال ورجال الأعمال في مصر ويعبر عن أهميتهم في الوطن مثل (الغول) .

هذا بالإضافة إلى معركته مع أعضاء مجلس الشعب، الذين رفضوا فيلمه (سوق المتعة)،

ودخول النواب في مواجهة ساخنة مع فاروق حسني، وزير الثقافة وقتها، بعد أن وجهوا نقدًا شديدًا للفيلم لتضمنه مشاهد جنسية اعتبروها مخلة بالآداب العامة، وتقدّموا بطلب إحاطة لسحب الفيلم من دور السينما.

لكن عندما ترى أعمال وحيد حامد على مدار رحلته ستجد أن مبدأه  بكل بساطة هو التعبير فقط عن الإنسان البسيط ، المواطن المطحون بين الأطراف كافة ،،، ستجد أن قلمه  يهمس  في أُذنك بصوت سناء جميل قائلا " إحنا غلابة قوي يا سيد" في فيلم إضحك الصورة تطلع حلوة ،،،كي تعي جيدا الشغل الشاغل لهذا الحكواتي . 

امتازت مشاهد وحيد حامد المليئة بالتفاصيل الصغيرة انها تحكي  غالبا عن احلام البسطاء المسحوقة ،وتُسمع صرخاتهم المكتومة وكانت بمثابة الملاذ الآمن الذي يتكلم بلسانهم...

لم يغفل قلم حامد ايا من زوايا لوحة المجتمع المصري بكل ثغراته ونتؤاته ، فهو يدعو في أحد أفلامه تارة إلى مواجهة الإرهاب من وجهة نظر الحكومات ، وتارة أخرى  يدعو الحكومات إلى الرحمة وعدم القمع وظلم الشعوب.

وفي الوقت الذي يدعو فيه حامد لمواجهة التطرف في العشوائيات ، يدعو في نفس الوقت إلى مواجهة التطرف في الفساد .

كانت رؤيته لمواجهة الإرهاب الذي ضرب مصر في السبعينيات واعدة ، حيث دعى الحكومات إلى رحمة المواطن وعدم القمع وظلم الشعوب حتى لا يتحول الطيبون إلى قنابل موقوتة كما في فيلم (الإرهاب والكباب) وحذّر حامد من تفشي التطرف في العشوائيات لأن الجماعات الظلامية تستغل جهل البسطاء كما في فيلم ( دم الغزال) ، ودعا في نفس الوقت إلى مواجهة التطرف بمنع الفساد الذي يهين المواطن ويشعره بالعجز والظلم كما فيلم ( اللعب مع الكبار).

ورغم اتهامه بأنه من المُحرِضين ومناوراته مع الرقابة... نتساءل هل كان وحيد حامد كاتبا حُرا جريئا ونخبويا تنويريا ! أم كان كاتبا تجاريا يكتب للسوق!  أم كان ناصحا بل واحيانا مُغازلا للحكومات !!؟؟؟

كما لمسنا ظاهرة خاصة لبست قلم حامد أصابتنا نحن بالإلتباس بين الماضي والمستقبل ...

وحيد حامد جعل من الفن نبؤة، كان قارئا جيدا لحال المجتمع والأحداث بعد أن عاش مظاهرات ٧٧ ،فهو لم ينسلخ عن حياة الناس والشوارع حتى أصبحت أعماله هي صدى الناس الذين استقى قصته منهم،وببساطة أعاد صياغتها بلغة يقدرون على استيعابها دون أن يتعالى على جمهوره. 

بدأ وحيد حامد مشواره منذ الطفولة عبر خطبة الصباح المدرسية ،وفي المرحلة الثانوية فازت قصته القصيرة في مسابقة نادي القصة بالقاهرة .

ولأن العمل الفني يعتمد على نص جيد ...قد تتساءلون هل درس حامد فن كتابة السيناريو !؟

_في الحقيقة لم يدرس حامد السيناريو ،  وبدأ بكتابة القصص القصيرة للمسرح والسينما والتلفزيون بعد أن دله على الطريق إلى عالم الدراما الروائي يوسف إدريس. 

ثم كتب للاذاعة بالصدفة بعد ٦٧ ،ولأنه يرى بأن التتر هو جزء لا يتجزأ من الدراما طلب لمسلسله الاذاعي صوتا فيه شيء من الحميمية ...إلى أن أهدته الإذاعة صوت شريكة حياته المذيعة زينب سويدان، اللتي وصفها بأنها صاحبة عقل وقلب حُبهُ عظيم، وأثمرت هذه العائلة الصغيرة عن المخرج مروان حامد.

وفي عالم السينما كوّن مثلثا فنيا مع عادل إمام والمخرج شريف عرفه على مدار ٥٠ عاما تحمل في طياتها ٤٠ فيلم و٣٠ مسلسل تلفزيوني و اذاعي ، وخلال هذا الوقت كتب قلمه عن نقاء البريء في وحل الكذب، والتزييف تحت سماء مليئة بطيور الظلام، وذَكرّنا بالمنسي رغم غول التاريخ المؤدية طرُقهُ إلى اللعب مع الكبار، ورسم لنا ابتسامة البسطاءكي تصبح الصورة أحلى مع الضحك والنسيان ، ولأن القلم الذي لا يُؤنث لا يُعوّل عليه ، لم ينس قلمه انأن  يحكي بلسان شهرزاد.

وعلى الرغم من انتشار ظاهرة نسيان تكريم كبار المبدعين في عالمنا العربي ...إلا أن بطلنا محظوظ هذه المرة ...

قبل نهاية ٢٠٢٠ مُنح جائزة الهرم الذهبي التقديرية لإنجاز العُمر لاثراءه الفن السابع قبل أن يرحل عن عالمنا في يناير من ٢٠٢١.

وقال قبل يودع جمهوره ، أنه عشق أيامه لأنها أيام السينما الجميلة، وأنه مدين للجمهور الذي صدّقه وصدّق قيمة الكلمة والنص.

 ونحن مدينون لك أيها  الحكواتي الاستثنائي أن سحرْتنا بحواديت و أحلام لا تموت...

لروحك السلام 🙏🏻